مهمة زواج بقلم دعاء فؤاد
المحتويات
يرى ما أعدت له من إفطار فقد كانت تنتظره بملل الى أن خرج أخيرا و هو يعبث بهاتفه غير منتبها لها و لكنه حين أطل عليها بتلك الطلة التي تراه بها لأول مرة بحلته حالكة السواد و شارتي الشرطة ذات النسر الذهبي على كتفيه و شعره المصفف بعناية و ذقنه الحليقة تماما و التي جعلته يبدو أصغر من عمره بكثير و ذلك الحزام الأسود حول خصره و السلاح الذي يزينه و فوق كل ذلك رائحة عطره التي تصيبها بالثمالة... انحبست أنفاسها بصدرها من فرط الإثارة و اتسعت حدقتيها باعجاب بالغ و كل ما أثار حفيظتها الآن هل تراه البنات و هو على تلك الشاكلة!.. حتما ستصاب بالجنون ان اتبعت أفكارها تلك..
صباح الخير يا ندى..
صباح النور.
صاحية بدري كدا ليه!
عادي.. أنا بصلي الفجر و مبنامش..
هز رأسه ثم ما لبثت أن تنحنحت بخجل ثم قالت
سحب الكرسي المقابل لها ثم جلس عليه و هو يقول
يا بنتي بتتعبي نفسك ليه... أنا كنت هفطر في الشغل.
هزت كتفيها لأعلى قائلة بخجل
عادي.. أنا كدا كدا كنت بعمل لنفسي فزودت ليك.
التقط إحداها ثم قضم منها قضمة و هو يقول
أجابته ببسمة صغيرة ثم بدأت تأكل على استحياء و هي تستنشق رائحته المسكرة باستمتاع فبدون وعي منها سألته بتلقائية
البرفيوم بتاعك حلو أوي... هو اسمه ايه!
حانت منه ابتسامة و هو مثبت نظره على الشطائر بيده فقد فاجئته بسؤالها ثم ما لبث أن قال
دخون روز... بطلبه من دبي مخصوص اونلاين.
عم عليما صمتا وجيزا و هما يأكلان قطعته ندى بسؤالها
أدهم بما اننا اصحاب قولي بقى.. أعجبت ببنت قبل كدا أو حبيتها!
توقف عن مضغ الطعام للحظة من أثر تفاجؤه بسؤالها الذي أربكه قليلا فهو لا يدري أمن الطبيعي أن يخبرها بأمر دارين أم ماذا!
اه كنت معجب ببنت كدا و خطبتها فترة بسيطة بس محصلش نصيب..
صمتت پصدمة لوهلة ثم قالت
بجد!
اممم... ايه مالك مصډومة كدا ليه!
ابتلعت ريقها ثم قالت بنبرة جاهدت أن تبدو طبيعية
لا أبدا... أصل شكلك جد أوي و مش رومانسي و لا ليك في الحب فعشان كدا استغربت.
حتى انتي كمان بتقولي كدا!
دا مش رأيي أنا لوحدي بقى!
هز رأسه بإيماءة بسيطة فلم يرغب في الدخول في تفاصيل ولا الحديث عن أي شيئ يخص دارين.
و انتي!
باغتها بسؤاله فلم تحسب له حساب و لوهلة سكتت تفكر في إجابة تعفيها من الحرج فمن سواه الذي يمتلك قلبها منذ علم للحب سبيلا!.. و لكنها ابتلعت ريقها ثم قالت دون أن تنظر له متظاهرة بالانشغال بالأكل
قبل ما اسافر أمريكا مع بابا كنت معجبة بشاب جارنا... بس كنت لسة صغيرة... هبل مراهقة بقى.
و لما كبرتي!
التقت عيناها الحائرتين بعينيه المصوبة تجاهها بترقب تكاد تصرخ بعشقها له و لكن خشت أن تفضحها نظراتها فأخفضتهما سريعا ثم قالت بوجوم
خلاص بقى عقلت.
هز رأسه بإيماءة بسيطة ثم نظر في ساعة يده فوجدها قد دقت الثامنة فنهض و هو يقول بجدية
أنا كدا لازم أمشي.... شكرا يا ندى على الفطار.
نهضت تباعا لتقول بخجل
الشكر لله دا حاجة بسيطة.
أومأ بامتنان ثم قال
ماما كلها ساعة و هتوصل... مش هوصيكي بقى.
أومأت محاولة رسم الثبات على ملامحها حتى لا يلحظ حزنها الكامن بقلبها ثم قالت ببسمة محبة
لا إله إلا الله..
محمد رسول الله.
غادر من أمامها بينما بقيت هي تنظر في أثره بشرود و قد أخذ الحزن من قلبها مأخذه ثم سرعان ما عادت لواقعها لتأخذ الأطباق للمطبخ و تقوم بغسلها.
ألو... آسر.. بقولك النهاردة عيد ميلاد مودة و أنا أخدت عربية بابا و رايحة خان الخليلي أجيبلها هدية من هناك... انت عارف انها بتحب المشغولات و الأنتيكات اللي بتتباع هناك.
يا مچنونة انتي سواقتك زي الزفت... مستنتيش لما أخلص شغلي ليه و كنا روحنا سوا.
أنا لسة هستناك.!.. كدا هتأخر أوي و مش هلحق أعمل حاجة.
طيب يا ميري ربنا يستر... بس عشان خاطري سوقي ع الهادي كدا و خلي بالك من نفسك.
متقلقش يا حبيبي... صاحبتك قلبها مېت.. ههه.
ماهو انا مش مخوفني غير قلبك المېت دا.
خلاص بقى يا آسر متبقاش قلوق كدا.
ماشي يا روح آسر...اشتري هدية مني ليها على ذوقك.
تمام يا حبيبي.. باي بقى عشان أركز في الطريق..
أغلقت ميريهان الخط و هي تتنهد ببسمة عشق خالصة و لم تكد تعيد الهاتف إلى جوارها حتى انتبهت على صوت زامور عالي صم أذنيها ثم لم تشعر بشيئ بعدها.
بينما آسر على الجهة الأخرى أغلق المكالمة و هو يزفر بقلق لا يدري لما انقبض قلبه هكذا حين
أخبرته بأنها تقود سيارة والدها و لكنه نفض تلك الوساوس سريعا عن رأسه و هو يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
انهمك آسر في أعماله فقد كان يومه حافلا بالمهام و المأموريات حتى أصابه الإرهاق فقرر أن يذهب لأدهم مكتبه يتمازحان سويا.
الباشا العريس...
هز أدهم رأسه بيأس و هو يقول پغضب
هتفضل طول عمرك طور... بتدخل من غير ما تخبط ليه يا حيوان..
لوح آسر بيده و هو يقول بسخرية
اعم انا فتحت عليك باب الحمام!
رمقه بنصف عين و هو يقول بخفوت حاد
عديم الاحساس.
ابتسم بسماجة هاتفا
حبيبي يا دومي.
هو انا بمدحك يلا!.. دا انا بوبخك..
ضړب الحبيب زي أكل الزبيب... و انا بموووت في الشتيمة.. وبخني..
أبو تقل دمك.
ها يا عريس... عامل ايه في الجواز!
رمقه أدهم بتجهم مردفا بغيظ
تعرف تنقطني بسكاتك
بادله آسر بأخرى مشمئزة هاتفا بحدة
تصدق انا غلطان اني جيت لبأف زيك... و أنا اللي كنت فاكرك هتفرفشني شوية.
رد بنبرة متهكمة
مالك يا ننوس عين ماما!
هتف به آسر بحدة
اتكلم بجد شوية بقى يا أدهم.
اعتدل أدهم في جلسته ليميل برأسه ناحية صديقه متسائلا بقلق
واد يا آسر فيك ايه!...حاسك بتحاول تتوه كدا بس شكلك مش مظبوط.
تنهد بعمق و مشاعر التيه قد احتلت ملامحه و نبرة صوته
مش عارف يا أدهم...مضايق كدا من غير سبب.. مش عارف دا من ضغط الشغل ولا ايه بالظبط.
لم يكد يرد عليه حتى رن هاتفه برقم حماه..
دا عمو محمد والد ميري...
طاب رد عليه.
فتح الخط ليأتيه صوت حماه الباكي
آسر تقدر تيجيلي دلوقتي مستشفى الدكتور رؤف!
رد بنبرة يشوبها القلق
خير يا عمي.. هي مودة تعبت تاني ولا ايه!
سكت مليا و هو يعتصر عينيه بحسرة ثم قال
تعالى بس... أنا محتاجلك جنبي دلوقتي.
حاضر يا عمي... هحاول أخد إذن و اجي لحضرتك... مع السلامة.
أغلق آسر المكالمة و هو في حالة من الحيرة و الشك ثم قال متعجبا
غريبة أوي... مودة لما بتتعب ميري هي اللي بتتصل بيا تعرفني.
رد أدهم بتفكير
يمكن مشغولة معاها يا آسر... روح انت بس اطمن عليهم و أنا هنا هغطي عليك.
أومأ باقتناع ليقول بنبرة حزينة
فعلا... مودة حالتها متأخرة أوي اليومين دول... ميري كانت قالتلي انها في المرحلة الأخيرة من المړض و مفيش أي علاج ولا حتى عمليات هتجيب معاها نتيجة و إن هي خلاص كلها أيام و تودع الدنيا.
أغمض أدهم عينيه بتأثر متمتما بخفوت
لا حول و لا قوة إلا بالله... الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به عباده و فضلنا على كثيرا ممن خلق تفضيلا.
.... طاب روح يابني مستني ايه... أكيد محتاجينك معاهم دلوقتي.
نهض آسر و هو يقول
تمام... لو اتأخرت مش هوصيك بقى ظبط الدنيا عشان سيادة اللوا ميحسش بحاجة.
امشي يا آسر متحملش هم.
في مستشفى القلب التابعة للدكتور رؤف صديق محمد أبو مودة....
يقف محمد في حالة يرثى لها و بجواره مودة تزرف الدموع بلا انقطاع و أمامهما الدكتور رؤف يسرد لهما بأسى
للأسف يا محمد ڼزفت كتير جدا ل
شهقت مودة پذعر بينما تحشرج صوت محمد ليخرج بصعوبة
ماټت!
أردف الطبيب موضحا
لا القلب لسة بينبض و هي حاليا متوصلة بجهاز التنفس الصناعي بس خلاص مفيش أمل في رجوعها تاني للحياة... احنا في انتظار بس إن القلب يقف... شد حيلك يا محمد ربنا يصبرك.
بينما هناك آسر يسير بتؤدة حتى لمح محمد يقف أمام العناية المركزة و تقف بجواره مودة ... ماذا!.. مودة تقف على قدميها!..هي مذعورة حقا و يبدو على ملامحها الإعياء الشديد و كأنها ستسقط في أي لحظة و لكنها بالفعل واقفة... لقد توقع أن يأتي ليجدها مسجية بفراش المړض.. لماذا إذن دعاه حماه للقدوم!.. لحظة.. ميريهان!.. أين هي إذن!
حين واتته تلك الفكرة ركض إليهما و قلبه يكاد يخرج من قفصه الصدري من فرط الخۏف و القلق و ما إن وصل حتى خرت مودة فاقدة للوعي فالتقطها آسر بين ذراعيه على الفور و نزل بها على أرضية المشفى الرخامية و ذلك حين لفظ الطبيب أمر انتظاره لتوقف قلب شقيقتها.
بنتي..
صړخ بها محمد في ذهول و حاول قدر المستطاع أن يبقى واقفا على قدميه التي أصبحتا كالهلام و ألا يسقط فاقدا للوعي هو الآخر بينما انحنى الطبيب رؤف على الفور ليتحسس نبض شريانها السباتي على جانب رقبتها فلم يشعر به البتة فأسرع بدق جرس ما على الحائط و هو ېصرخ بصوت عال
.. ...
و في لحظات كان فريقا من حوالي ستة أفراد من ممرضين و أطباء قد حضروا للمكان و قاموا بنقل مودة إلى غرفة الإنعاش القلبي بينما محمد يتوسل لرؤف
مودة مالها يا رؤف!
أخذ يلهث پعنف و هو مترددا في القول فحثه محمد بتأكيد
قول يا رؤف انا راضي.
كل ذلك تحت مرئى و مسمع آسر الذي مازال لا يفهم شيئ إلى الآن بينما رد رؤف بأسف
قلبها مستحملش الصدمة و وقف..
اتسعت عيني آسر و هو يردد بذهول في نفسه
صدمة!... أي صدمة تلك!
استرسل رؤف يطمأنه
بس متقلقش يا محمد... الفريق مش هيسيبها و شغالين معاها انعاش قلبي رئوي و ان شاء الله القلب هيشتغل تاني و هتتوصل بأدوية تدعم القلب... أنا هدخل دلوقتي أشوفها و أطمنك.. عن إذنك.
لم تعد قدماه قادرتان على حمله فحبيبتيه على وشك فراقه حبتي العين و قرتي القلب و زهرتي عمره... يا الله كيف لقلبه أن يتحمل كل هذا!.. فهبط ليجلس على الأرض و نزل آسر معه يسأله بهلع
فيه ايه يا عمي فهمني!.. ايه اللي حصل أبوس ايدك!
نظر له بعينين مغشيتين بالعبرات ثم قال بصوت جريح بالكاد تخطى حنجرته
.. رؤف.. رؤف بيقول انها مېتة اكلينيكيا..
أخذ يهزه بلا وعي و هو يردد بعدم تصديق
مېتة ازاي!.. لا ميري مماتتش... ميري كويسة و هتقوم... دي كانت بتكلمني من ساعتين بتقولي انها رايحة خان الخليلي تشتر..... هي فين!... عايز أشوفها... هي فين!
نهض و هو يبحث عنها كالمچنون و يحاول فتح باب العناية بيدين مرتعشتين و لكن بلا جدوى.
اصبر يا آسر... هتشوفها بس اصبر..
كان ذلك هتاف محمد الضعيف و لكن لم يتوانى عن الطرق على الباب الكبير إلى أن خرجت ممرضة من الداخل ليهتف بها برجاء
لو سمحتي دخليني عايز أشوف خطيبتي.
أنا آسفة جدا مش هينفع.
أرجوكي أنا مش هعمل اي حاجة... أنا هبص عليها من بعيد.
أشفقت على حالته المذرية لتقول بعد برهة من التفكير
بس من فضلك بسرعة قبل ما دكتور رؤف ييجى و يشوفك عندها.
حاضر متقلقيش..
أفسحت له الطريق فدلف مسرعا و هاله ما رأى من مشهد يخلع القلب...
ميريهان مسجية على الفراش الأبيض ترتدي عباءة طبية زرقاء و غطاء رأس طبي بشرتها شاحبة شحوب المۏتى عينيها نصف مفتوحة و لكن بؤبؤيها ثابتين تماما و أكثر ما آلم قلبه تلك الأنبوبة المغروسة بحنجرتها و الموصولة بخراطيم غليظة متصلة بجهاز التنفس الصناعي حيث الأصوات الصاخبة و العديد من الأجهزة الأخرى المتصلة بذراعيها.
تقدم منها حتى اقترب كثيرا ثم انحنى لمستوى رأسها و انفرج ثغره لينادي عليها و لكن لسانه أبى من فرط صډمته حاول كثيرا الى أن تخطى تلك الغصة الأليمة التي علقت بحلقه ثم ردد اسمها بصعوبة
م ميري... ميري هان... حبيبتي... أنا آسر يا روحي.. سامعاني!.. انتي هتقومي... هتبقي كويسة و أنا هستناكي... هستناكي العمر كله يا كل حياتي .
سكت يتأملها بصمت لعله يرى منها أي حركة أو حتى رمشة من عينيها إلا أنه لم يحدث و كأنها مېتة حقا.
انتابته حالة من الهيستيريا حين أدرك حقيقة مۏتها و فراقها الأبدي فأخذ يهزها و هو يبكي بنحيب وصل الممرضة
ميري ردي عليا... طاب ارمشي بعنيكي... اعملي أي حاجة..أي إشارة... ميري الله يخليكي يا حبيبتي ردي عليا.. ميري... ميري..
استمر في تحريكها و هو يناديها بلا كلل حتى هرولت اليه الممرضة و معها زميل آخر و أخذا يجذبانه بعيدا عنها حتى أخرجاه من الغرفة و هو في حالة من الاڼهيار التام.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة العاشرة
رواية مهمة زواج
بعد نصف ساعة من الانتظار كاد محمد خلالها أن يفقد عقله خرج الدكتور رؤف يجفف حبات العرق التي أندت جبينه ثم قال و هو يتنفس باعياء
الحمدلله يا محمد مودة قلبها رجع و اضطرينا نحطها على جهاز التنفس الصناعي علشان نريح القلب لحد ما حالتها تستقر و تقدر تاخد نفسها بتلقائية.
فغر فاهه بحسرة فبنتيه راقدتان و مصيرهما مرتبط بذلك الجهاز اللعېن في آن واحد... لقد تمنى في تلك اللحظة لو يلحق بهما فلم يعد لديه ما يعيش لأجله..
أشفق رؤف عليه للغاية و بعد برهة من التفكير و هو يتأمل حالة البؤس التي أصابت صديقه ربت على كتفه و هو يقول بجدية
تعالى معايا مكتبي يا محمد... عايزك في موضوع ضروري..
نظر له بتيه و كأنه لم يسمعه أو بالأحرى ليس لديه طاقة لسماع أي شيئ فأدرك رؤف ما يدور بخلده و التمس له العذر و لكنه أصر عليه
تعالى يا محمد.. الموضوع يخص مودة... صدقني يا صاحبي دي مسألة حياة أو مۏت..
استطاع أن يجذب انتباهه على ذكر قرة عينه فانصاع محمد المكلوم لكلامه ثم
متابعة القراءة