مهمة زواج بقلم دعاء فؤاد

موقع أيام نيوز

أسرته... لابد و أن يجد لها حلا قبل قدوم والدته. 
بينما ندى نزعت غطاء رأسها بعصبية و هي تبكي بحسرة على حالها تحبه و تتمنى قربه تود لو ترتمي بين أحضانه و لكنها لا تستطيع أن تستمتع بقربه طالما أنه ليس حلالا. 
ماذا تفعل و كيف تتصرف!.. كيف ستستمر معه هكذا و إلى متى..حتى و إن أنهى زواجه بها كيف ستواجه صډمتها.. ليتها لم تطع أباها.. و لكنها وافقت على أساس أنه طلبها للزواج بكامل إرادته و ليس تحت ضغط حتما لو تعلم بنيته ما وافقت من الأساس مهما كانت قدر عشقها له. 
انتهيا من الإفطار كعادتهما في صمت مطبق ثم قامت بإعادة الأطباق إلى المطبخ و قامت بتنظيفها و ما كادت تسير إلى غرفتها حتى استوقفها أدهم هاتفا بها 
استني يا ندى... احنا لازم نتكلم و نحط حد للموضوع دا. 
سارت نحوه بقلب مضطرب فأكثر ما تخشاه أن ينهي زواجهما الذي لم يبدأ بعد. 
جلسا في احدى أركان الصالة الواسعة حيث يوجد الصالون كأرض محايدة ثم استطرد حديثه قائلا 
اللي انتي عايزاه هعملهولك...عايزة جوازنا يبقى رسمي أنا موافق... عايزاه مؤقت برضو أنا موافق. 
صډمتها كلماته فقد وضعها في موقف لا تحسد عليه لم تتوقع أن يبدأ حديثه بهذه الطريقة من فرض الخيارات و كأنها في امتحان بما يتعين عليها أن تجيبه الآن فإن اختارت أولهما... 
عند هذا الحد و ثارت خلاياها العصبية بطريقة مفرطة جعلتها تتحدث پغضب مكتوم 
بالله عليك دا سؤال تسأله ليا... يعني أنا مش عارفه انت بتفكر ازاي..انت بتتكلم كأنك بتقولي اختاري إن جوازنا يبقى مؤقت...ماهو مستحيل هقولك و النبي عشان خاطري خليه رسمي. 
كور قبضتيه بعصبية ثم قال و هو يكظم غيظه 
لا بقى انتي اللي صعبة في التعامل... انا مبقتش عارف أتعامل معاكي ازاي. 
ولا عمرك هتعرف.. اللي انت شايفه صح اعمله.. 
تنهد بحيرة فحقا هو غير قادر على حسم ذلك الأمر ينتظر منها هي الحل الأمثل و لكنها أيضا تراوغه. 
سكتت مليا ثم قالت بأسى بنبرة طفولية بحتة 
أنا بتمنى لو ارجع لبابا تاني.. حاسة بغربة فظيعة من غيره.. لو قدرت ترجعني يبقى انت عملت معايا معروف مش هنساهولك أبدا. 
نظر لها بإشفاق ثم قال بهدوء 
صدقيني يا ندى لو ينفع مش هتأخر أبدا...بس حياتك في خطړ و انتي أمانة عندي مينفعش أفرط فيها. 
اغرورقت عيناها بالعبرات ثم أخفضت رأسها و هي تقول بصوت مخټنق بالبكاء 
أمانة أه فعلا.. 
ازداد إشفاقه عليها رغم جموده الظاهر ناحيتها و اقترب منها في المقعد حتى أصبح لا تفصلهما سوى عدة سنتيمترات ثم التقط منديل من علبة المناديل و قام بتمريره على عينيها و هو يقول بحزن 
أنا مقدر اللي انتي فيه عشان كدا عايز أعملك اللي انتي عايزاه و اللي تحبيه.. مش عايز أفرض عليكي وضع انتي مش حباه. 
أنزل يده عن عينيها بينما هي كانت ساكنة تماما مستسلمة على عكس عادتها معه الشيئ الذي أثار دهشته و لكنه لم يعقب حتى لا يثير حنقها مرة أخرى كانت تشعر أنها ضعيفة.. ضعيفة لأقصى درجة.. تود لو كان بإمكانه أن يحتويها بين ذراعيه لعلها تطمئن قليلا.. ربما يهدأ قلبها مليا... لعلها تستعيد شتات نفسها. 
بدون وعي منها و كأنها كانت مغيبة قالت بصوت مبحوح 
ممكن تاخدني في حضنك! 
أصابته صدمة كبيرة لثوان و كأن التي أمامه ليست ندى و كأنها قد أصابها فصام في الشخصية و لكن صډمته لم تدم طويلا فقد كان مشفقا على حالتها الرثة هذه ظن أن ذلك نبع من حاجتها لأبيها و افتقادها له فاقترب منها أكثر و دون أن ينطق قام 
ظلا على هذا الوضع لدقائق.. لا يتكلم.. فقط ترك العنان لها لكي تفرغ كل ما يحوية صدرها من هموم و أحزان لتلقي بها على صدره الذي تستقر عليه الآن. 
ابتعدت ندى و تركت حضنه و هي تجفف عبراتها و لم تقوى على النظر إليه بل نهضت سريعا إلى غرفتها تاركة إياه ينظر في أثرها بحالة من التيه و التخبط فقد استطاعت إثارة شيئا ما بقلبه أحب قربها و لكنه نفض ذلك عن رأسه مقنعا ذاته أنه فقط مشفقا عليها و على ما يحدث لها.
حين انتبهت لوضعها و هي بين ذراعيه ابتعدت عنه ثم ركضت إلى غرفتها و هي في حالة من الندم ترثى لها. 
أغلقت على نفسها الباب ثم جلست أمام المرآة لتتأمل وجهها الباكي و هي تحدث نفسها بذهول 
ايه اللي انا عملته دا!!.. إزاي سيبت نفسي للشيطان كدا!..أنا امتى بقيت جريئة و وقحة كدا!...لا أنا مينفعش أعيش معاه لوحدنا.... مينفعش.. 
قالت كلمتها الأخيرة و هي تبكي ندما و الشعور بالذنب يكاد ېقتلها. 
دلفت لتتوضأ ثم جلست بفراشها تستغفر الله كثيرا و بعد الكثير من التفكير قررت أن تلفظه من قلبها ثم تغلقه بسلاسل من حديد حتى لا يتكرر مثل هذا الأمر مرة أخرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
أما على الجهة الأخرى..
جلس أدهم بشرفة غرفته المطلة على حديقة صغيرة.. مازال يشغله ما صدر من ندى منذ قليل.. يسأل نفسه ترى ما الذي دفعها لفعل هذا!.. هل تحبه!.. و لكنه عاد ليسخر من نفسه أن فكر في ذلك.. فمن المستحيل أن تحبه بين ليلة و ضحاها فهما لم يتقابلا منذ عشر سنوات منذ كانت طفلة فمتى أحبته إذن.. هو حتى لا يذكر أن تحدث معها و لو مرة حين كانت عائلته مرتبطة بعائلتها فقد كان منشغلا في دراسته في كلية الشرطة. 
و لكن أكثر ما شغل باله هو استجابته الفورية لها و عدم التفكير كثيرا و كأن جسده كان متحفزا للانجذاب إليها متى أصبح رومانسي هكذا.. فالرومانسية لم تعرف طريقا لشخصيته يوما فلم يطلق عليه محمود لقب قفل من فراغ. 
ضحك بسخرية من نفسه و هو يهز رأسه يمينا و يسارا ثم استنشق الهواء العليل ببطئ و زفره على مهل ثم حدث نفسه بصوت مسموع 
أنا شاغل نفسي ليه.. الموضوع مش مستاهل التفكير دا كله.. 
رن هاتفه برقم أمه فابتسم بسخرية فحتما تتصل به لكي تطمئن عليهما و بالطبع لن تتوانى عن سرد النصائح و التنبيهات.. 
ألو.. و عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الحمد لله يا حبيبتي بخير. 
ها يا حبيبي كله تمام! 
ازدرد لعابه بتوتر مردفا 
احم.. اه.. اه كله تمام يا أمي. 
و ندى عاملة ايه.. اوعى تكون زعلتها ولا قولتلها كلمة ملهاش لازمة.. أنا عارفاك. 
لا يا ماما متقلقيش.. كله تمام. 
مش هوصيك على ندى يا أدهم.. البنت صعبانة عليا أوي.. عشان خاطري يابني راعي مشاعرها شوية. 
حاضر يا ماما ندى في عنيا. 
طاب اديهالي أصبح عليها و أباركلها. 
تحرك بؤبؤي عينيه بتوتر ثم أردف بكذب 
هي
في الحمام يا أمي لما تخرج هخليها تكلمك. 
ماشي يا حبيبي.. ابقى سلملي عليها.. هبعتلكو وفاء تطبخ الغدا بعد شوية. 
بدون تفكير قال لها بتلقائية 
لا يا ماما متخليهاش تيجي... هنطلب دليفري و خلاص. 
ضحكت و هي تقول 
عايز الجو يخلالك... امممم... طيب يا عريس و ماله. 
تعجب من ظنها و لكنه في ذات الوقت اندهش من حاله أن طلب منها ذلك ثم قال مغيرا مجرى الحديث 
روان و حودة عاملين ايه... سلميلي عليهم كتير.. 
حاضر يا حبيبي.. سلملي على ندى.. في رعاية الله. 
حاضر يا ماما مع السلامه.
أما عند ندى.. 
حين فرغت من حفظ وردها اليومي التقطت هاتفها لتحدث أباها فقد افتقدته كثيرا رغم أنه كان معها عبر الهاتف في مكالمة فيديو أثناء حفل زفافها أمس. 
في حين أن أباها كان ېحترق قلقا من أن يخيب أدهم أمله فيه و ينكشف خداعه لها أمامه كان يخشى أن يحدثها حتى لا يسمع منها كلمة لوم أو عتاب و هو لا ينقصه فيكيفه نيران بعدها عنه المشټعلة بكيانه كله. 
اتصلت به و انتظرت قليلا ليأتيها صوته المتلهف 
ندى حبيبتي.. عاملة ايه يا قلبي.. وحشتيني وحشتيني وحشتيني اوى. 
ابتسمت بحب و هي تقول بتأثر 
و انت كمان يا بابا وحشتنى اوى اوى.. مش عارفه انا هعيش هنا من غيرك ازاي. 
أنا آسف يا حبيبتي اني بعدتك عني بس و الله دا من كتر خۏفي عليكي.. بس اللي مطمني انك عايشة مع ناس بتحبك و طنط تيسير بتعتبرك بنتها. 
اغرورقت عيناها بالعبرات ثم أردفت بنبرة شبه باكية 
بس أدهم مش بيحبني يا بابا زي ما كنت مفهمني. 
انخلع قلبه حسرة عليها ثم سألها بترقب 
هو قالك كدا! 
لا أنا فهمت من تصرفاته... بيتعامل معايا كأني واحدة غريبة عنه.. 
تنهد بأسى ثم قال 
سامحيني يا ندى... كان لازم أخليكي توافقي على جوازك من أدهم بأي طريقة وعشان ابعدك عن الخطړ. 
تقوم تكسر قلبي يا بابا! 
رد بنبرة معذبة 
يعني قلبك يتجرح ولا تروحي مني خالص و أموت بحسرتي عليكي.. مش كفاية عليا مۏت أمك! 
أخذت شهقاتها تعلو شيئا فشيئ فاستطرد بنبرة حانية 
أدهم انتي هتعرفي تخليه يحبك يا ندى و أنا متأكد من كدا...هو مين بس يابنتي اللي يعرفك و ميحبكيش! 
حضرتك بتقول كدا عشان انا بنتك بس. 
لا أنا متأكد من كلامي.. انتي ليكي سحر خاص على كل اللي حواليكي...محبة الناس ليكي نابعة من محبة ربنا.. و انتي ما شاء الله عليكي يا بنتي پتخافي ربنا و بتتقيه في كل حركاتك و سكناتك. 
حضرتك بتقول كدا عشان تصبرني.. 
لا يا حبيبتي بقول كدا بقناعة... و چرح قلبك مسير الأيام تداويه و أدهم قريب أوي هيحبك پجنون بس انتي خلى أملك في الله كبير و في نفس الوقت احفظي كرامتك.. لأنها هي أغلى حاجة تملكيها. 
هزت رأسها بايجاب و هي تقول 
حاضر يا بابا... حضرتك متعرفش كلامك دا ريحني قد ايه. 
ابتسم بارتياح و هو يقول 
احنا صحاب يا ندى.. و أي حاجة تزعلك كلميني علطول و فضفضي معايا.. بكرة لما الدراسة تبدأ و تختلطي بالناس هتتعرفي على أصحاب جداد و هتلاقي نفسك معاهم و الحياة هتبقى أحلى يا بنتي ان شاء الله. 
ابتسمت بأمل و هي تقول 
إن شاء الله يا بابا. 
وصلي سلامي لأدهم يا حبيبتي. 
الله يسلمك يا حبيبي.. لا إله إلا الله 
محمد رسول الله.
أرخى أنور جسده بفراشه و هو يحدث نفسه بحزن 
ليه كدا يا أدهم!....دا انت لو لفيت الدنيا كلها مش هتلاقي زوجة زي ندا في تدينها و جمالها و أخلاقها... ربنا يهديك و ينور بصيرتك.
في محافظة سوهاج 
كان جالسا بالمضيفة الملحقة بالدوار حيث كان يناقش إحدى العائلات في مسألة تخص الٹأر و ما يتبعه من خړاب في محاولة جادة منه لكي يجعلهم يتنازلون عن هذه الفكرة المدمرة ليقوم بدوره الهام كونه كبيرا لبلدته و حلال العقد. 
راچع نفسك يا حاچ صالح... لو جتلت ولده اليوم هيجتل ولدك عشية و هنفضلوا في الدوامة دي و مش راح نخلصو منها واصل... و الشباب اللي كيف الورد هو اللي بيدفع التمن. 
رد الآخر بغلظة 
لو ماخدتش بتار أبوي هتچرس في البلد كلاتها يا كبيرنا و انت خابر زين. 
مالكش صالح بالبلد... أني هانا الكبير و البلد كلاتها عارفة إن مفيش كلمة بعد كلمتي... و أنا جولت هننهي التار ده للأبد... فوزي الچيار صبيحة الچمعة جدام البلد كلاتها هيجدملك كفنه على يده و انت هتجبله و نجفلو على السيرة دي و اكده خلص الكلام. 
بس يا كبيرنا.. 
قاطعه معتصم باشارة من كفه حين رن هاتفه برقم ما فأخرجه من جيب جلبابه ليسود وجهه پغضب جامح حين رأى هوية المتصل ثم أعاده مرة أخرى لجيبه ثم تحدث بصوت مجلجل غير قابل للنقاش 
مبسش يا حاچ صالح أني جولت هننهي التار يعني هننهيه... خدوا واچبكم انتو مش أغراب.. عن إذنكم..
قالها ثم هب واقفا من أمام الحضور ليغادر المضيفة و يتجه مباشرة إلى داخل الدوار قاصدا غرفته بالدور العلوي. 
بمجرد أن دلف غرفته نزع عنه جلبابه بعصبية ثم التقط هاتفه و أعاد الاتصال بالرقم المتصل ثم وضع الهاتف على أذنه و حين أتاه صوت الطرف الآخر قال پغضب جامح 
هو أنا مش قولت متتصليش بيا أبدا طول ما أنا في البلد... انا كلامي مبيتسمعش ليه... انتي كدا جبتي آخرك معايا و بنظامك دا استحالة نكمل مع بعض. 
ردت پخوف 
أنا اتصلت عشان.. 
قاطعها بانفعال بالغ 
مهما كانت الاسباب.. لو بټموتي حتى متتصليش بيا.. قولتلك مېت مرة ابعتيلي رسالة ع الواتس و لما اكون لوحدي هكلمك... انما اللي انتي بتعمليه دا مينفعش يا نيرمين. 
ردت بصوت باكي 
خلاص يا معتصم أنا آسفة مش هتتكرر تاني... أنا بس اعتبرت نفسي مراتك بجد و حبيت أطمن عليك. 
زفر بضيق فتلك الحركات الغبية لا تمل من فعلها أبدا ثم قال بجدية 
نيرمين احنا متفقين من الأول ان جوازنا منفعة متبادلة و مفيش مجال للحب بينا و انتي وافقتي... و كنتي ماشية ع الاتفاق كويس... مش عارف ايه اللي قلب أحوالك كدا و بقيتي تقلقي عليا و شغل الأفلام دا. 
قال عبارته الأخيرة بحدة و انفعال فأجابت بلهفة 
عشان حبيتك يا معتصم... اه في الأول كنت معجبة بيك كزوج و كرجل أعمال ناجح و أقنعتك بعرضي...بس معرفش ازاي من غير ما أحس لقيت نفسي مش قادرة استغنى عنك و بقيت بتوحشني لما بتسافر بلدك.. هو دا غلط إني أحبك! 
أيوة غلط... غلط يا نيرمين... و بعدين الموضوع دا مينفعش نتكلم فيه في التليفون... لما نتقابل نكمل كلامنا... سلام. 
ثم أغلق الهاتف و ألقى به على الفراش و هو يزفر پعنف فليس هذا ما كان ينقصه...
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحلقة السابعة
و بعدين يا داري... هتفضلي قافلة على نفسك كدا كتير!.... ايه!..هو اللي خلق أدهم مخلقش غيره.. 
نظرت لأمها بعينين دامعتين و لم تعقب ثم تحشرج صوتها و هي تقول پألم 
مامي انتي متعرفيش أنا عملت ايه عشان أدهم ياخد باله مني و يخطبني.. سيبيني بقى أرجوكي مش عايزة أسمع كلام من حد تاني. 
رمقتها أمها پغضب بالغ ثم قالت بانفعال 
طيب.. أنا ليا كلام تاني مع شريف. 
رمقتها بلا اهتمام و عادت ترثي حظها فرغم تلك الخطة المحكمة التي عاونتها بها إحدى صديقات السوء مستعينه بإحدى الدجالات لتوقعه تحت تأثير السحر إلا أنه حدث ما كانت تخشاه.
و بعدين يا شريف... احنا هنفضل واقفين نتفرج على بنتنا و هي بتضيع مننا كدا. 
نظر لها ببسمة ساخرة ثم تحدث بثقة
أدهم هيرجعلها متقلقيش....الجوازة دي شكلها مش مريحني... شاكك انها مأمورية من مأمورياته
تم نسخ الرابط