مهمة زواج بقلم دعاء فؤاد

موقع أيام نيوز

أنه بالفعل لا يحبها و لا تتوق و لو للحظة للقائها كما زعم أبوها. 
أنهت طعامها سريعا فقام بدوره بإنهاء طعامه ثم نهضت لتلملم الأطباق و تذهب بها إلى المطبخ حيث أشار لها. 
عادت من المطبخ و توجهت مباشرة إلى غرفتها فتفاجئت به يجلس على حافة الفراش ينتظرها و تبدو على ملامحه علامات التوتر فقد كان شعره الطويل أشعث من كثرة تخليل أصابعه بخصلاته كناية عن توتره و عينيه تدوران في أنحاء الغرفة سواها كما أنه كان جالسا و ظهره مائلا للأمام مستندا بذراعيه إلى ركبتيه و هو يتنفس بوتيرة سريعة. 
حين دخلت بقي على وضعه فقط رفع عينيه لينظر اليها نظرة خاوية من أي مشاعر نظرة فهمتها جيدا ثم حاد بناظريه بعيدا عنها. 
أدهم...انت مكبر الحكاية كدا ليه... خلاص مهمتك خلصت و تقدر دلوقتي تروح تنام في قوضتك. 
عقد ما بين حاجبيه باستغراب ثم نهض ليقف أمامها بقامته الطويلة بالنسبة لقامتها القصيرة متسائلا بدهشة 
قصدك ايه بالظبط. 
ردت بنبرة موجعة حاولت جعلها عادية 
أقصد إن خلاص التمثيلية خلصت... واضح انك وافقت على الجوازة دي و انت مضطر... زيي بالظبط.. 
راح ينظر إليها بعدم تصديق لقد أتى الڤرج من حيث لا يتوقع لا تدري أنها بكلماتها تلك أزاحت عن كاهله حملا ثقيلا و جعلت مهمته معها أكثر سهولة. 
ندى إنتي بنوتة جميلة و أي شاب يتمناكي.. كل الحكاية ان مكانش في وقت نتعرف على بعض و نقرب لبعض عشان الجوازة دي تتم زي أي جوازة. 
مفيش داعي تقول أي مبررات يا أدهم... أنا فاهمة كل حاجة كويس أوي... و أنا مش زعلانة منك.. بالعكس أنا ممتنة ليك إنك نفذت رغبة بابا واتعهدت بحمايتي و خليته مطمن عليا.... هنضطر نستحمل بعض فترة كدا لحد ما الأمور تهدى و بابا يطمن عليا و بعد كدا كل واحد يشوف طريقه. 
أغمض عينيه بارتياح كبير الأمر الذي جعلها تحدث نفسها قائلة يا يا أدهم.. للدرجادي أنا كنت هم تقيل على قلبك. 
اغرورقت عيناها بالعبرات و لكنها أخفضتهما سريعا للأسفل و هي تقول 
ممكن تخرج عشان تعبانة و عايزة أنام. 
أومأ بإيجاب ثم مر من جانبها و هو يقول 
قوضتي قصاد قوضتك في الجهة التانية لو احتاجتي حاجة تعاليلي في أي وقت.. يا ريت متتكسفيش مني... تصبحي على خير. 
أومأت برأسها دون أن تنطق أو حتى ترفع عينيها إليه فقد اختنق صوتها بالبكاء و في الأخير أطلقت لدموعها العنان حين سمعت صوت الباب ينغلق.
بينما أدهم تمدد بفراشه بأريحية بعدما أحس بأنه أصبح حرا و كأنها كانت تقيده من رقبته و أخذ يفكر بدارين و كيف هي الآن و كيف ستكون خطته التالية تجاهها... 
فكر أيضا في موقف والدته إن علمت بما حدث الليلة بعد عودتها من منزل روان شقيقته حتما لن تمررها له مرور الكرام ربما تتأزم حالتها الصحية أيضا فهو يعلم جيدا مكانة ندى لديها و أنها لن تقبل بتاتا البتة بذلك الوضع... لذلك أقر أن يتفق مع ندى على إخفاء ذلك الأمر عن أمه لحين إشعار آخر.
نام كل منهما في غرفته و حين أذن الفجر نهضت ندى لتؤدي صلاتها و بعدما انتهت أحست أن حلقها قد جف فخرجت من غرفتها و هي مرتدية إسدال الصلاة و لكن شعرها مكشوف و طرحتها متدلية على كتفيها. 
سارت باتجاه المطبخ ثم دخلته و قامت بملئ كوب ماء من المبرد و شربته و حين همت بإعادته لمكانه تفاجئت بأدهم يدخل من باب المطبخ بملامح ناعسة و شعر أشعث و وجهه محمر من أثر النوم فوضعت الكوب سريعا على المنضدة ثم قامت بلف طرحتها لتغطي شعرها بالكامل باضطراب الأمر الذي أثار دهشة أدهم للغاية و راح يحدثها بنبرة متحشرجة و هو مقطوب الجبين 
انتي بتغطي شعرك مني ليه!.. دا أنا جوزك برضو. 
ابتسمت بسخرية ثم ربعت يديها أمام صدرها و هي تقول 
بعد الكلام اللي قولناه امبارح مبقتش جوزي ولا أنا مراتك. 
رفع حاجبيه متسائلا 
بمعنى! 
تنهدت پألم حاولت إخفائه ثم قالت بجدية 
عقد الجواز كان هيكون صحيح لو مفيش فيه الشرط اللي اتفقنا عليه امبارح. 
شرط ايه مش فاهم. 
احنا اتفقنا اننا هنستحمل بعض فترة معينة و بعدين ننفصل و دا معناه إن العقد مؤقت و الشرط دا أبطل عقد الزواج... و أنا دلوقتي مش مراتك و ميحقش ليك أي حقوق من حقوق الزوجة على زوجها. 
أخذ يحاول استيعاب ما تقوله بتمعن ثم ما لبث أن سألها بتعجب 
انتي متأكدة من الكلام دا!.. انتي أصلا جايبة المعلومات دي منين! 
أجابته بثقة 
أنا عندي مكتبة معظمها من كتب الشريعة و الفقه و دايما بقرأ فيها و عندي حصيلة معلومات كبيرة و أي حاجةبتقف قصادي برجع للكتب دي.
ناظرها بإعجاب واضح جعله يشعر كم هي رائعة بالنسبة لمثيلاتها من الفتيات ثم تنحنح متسائلا بترقب
ماشي بس العقد اتكتب بموافقتك و بعلمك... أنا متجوزتكيش من وراكي..و في شهود و إشهار و كل الشروط مظبوطة. 
أدهم افهم... انا قولت العقد صحيح لو مكناش وقفناه على شرط.. 
أومأ متفهما ثم ربع يديه أمام صدره و هو يقول متنهدا بعمق 
لحد امتى يا ندى!...واضح ان الوضع دا هيستمر كتير و مش هنقدر نخبي على الناس اللي حوالينا فترة طويلة...مش عارف أصلا ماما هتتقبل
الوضع دا ازاي!
تشدقت ملامحها پقهر هاتفة به بحدة 
و الله بقى دي مشكلتك انت... و انت المسؤل تحلها.. أنا بالنسبالي اضطريت أقبل بالأمر الواقع و كنت هكمل في الجواز منك عادي على أساس إنك متجوزني بإرادتك...بس كويس إن الحال من بعضه. 
رد عليها بحدة 
انتي تقصدي ايه بالظبط!... انتي تطولي أصلا تتجوزي واحد زيي! 
الحمد لله مبطولش... 
قالت كلمتها بسخرية ثم مرت من جانبه لتتركه منصدما من ردها و هي تتمتم پغضب واحد مغرور... ثم ما لبث أن ضحك رغما عنه حين فهم كلمتها و مقصدها من فارق الطول بينهما فتوقفت عند باب المطبخ و عادت تنظر اليه و هو موليها ظهره و كأنها تذكرت شيئا لتوها لتقول 
و آه على فكرة....لو كنت اعرف ان دي نيتك في الجواز مني مكنتش سمحتلك تلمسني ولا تمسك ايدي و لا ترقص معايا.. ربنا يسامحنا و يغفرلنا بقى.
أنهت كلماتها ثم تقدمت من الباب لتغادر و لكنها عادت مرة ثالثة لتقول بنبرة جامدة
متنساش تصلي الفجر... كلها دقايق و وقت الشروق هيدخل و هيفوتك الفجر. 
الټفت إليها لينظر لها بحدة قائلا
والله مش محتاججك تفكريني... انتي فاكرة محدش بيصلي الفجر حاضر غيرك ولا إيه 
ابتسمت بانتصار أن استطاعت استفزازه لعلها تثأر و لو قليلا لكرامتها ثم تركته يهمهم بضيق و اتجهت لغرفتها و أغلقتها عليها جيدا و قررت أن تنعم بنوم هانئ و تنسى ما لاقت من أحداث مؤسفة تلك الليلة.
في صباح يوم جديد في إحدى قرى محافظة سوهاج.... 
ترجل من سيارته حديثة الطراز بطوله الفاره و جسده الرياضي عريض المنكبين و لون بشرته البرونزية من أثر حرارة الشمس الحاړقة و لحيته المهذبة النامية و عينيه العسليتين الثاقبتين مرتديا بنطال جينز أسود و قميص سماوي كاچوال يعلوه بليزر كاچوال أسود من الشمواه و نظارة شمس قيمة ثم ترك السيارة للخفير النحيل ليقوم بتنظيفها و اتجه إلى مضيفة المنزل حيث تجلس أمه تلك السيدة المسنة التي تتشح بالسواد منذ ۏفاة زوجها ذات ملامح مصرية أصيلة يشبهها ولدها البكري معتصم كثيرا لذلك هو حسن الخلقة جميل الملامح مثلها تماما.
انحنى معتصم ليلثم يدها باحترام فقامت بدورها بمبقابلته ببسمة واسعة و هي تقول 
حمد الله على سلامتك يا ولدي. 
الله يسلمك يا حاچة... كيفك و كيف صحتك اكده. 
بخير طول مانت بخير يا وليدي....عملت ايه مع الناس اللي كنت رايحلهم في مصر. 
جلس بجوارها ثم قال بجدية 
كل خير يا أمايا... الحمد لله مضينا عجدعقد الشراكة و المصنع بجى مصنعين و عينت هشام چوز أختي رئيس مچلس الإدارة و حمد أخوي امعاه طبعا أهو يتعلم منيه الشغل... انتي خابراه هشام واعر اف شغل الإداريات و قمان مش هلاجي حد أحسن منيه يدير الشركة و أني اهنيه في البلد. 
مسدت على كتفه بحنو و هي تقول بنبرة عاتبة 
جولتلك يا ولدي خليك اهناك ف مصر حدا شركاتك و مصانعك و احمل هم مالك و أني اهنيه مرتاحة و عايشة في خير أبوك الله يرحمه... مش طالبة حاچة من الدنيا واصل غير اني أسمع عنك انت و خواتك خير.. بدل الپهدلة كل شوية بين اهنيه و اهناك.. المسافة طويلة و أني بجلج عليك طول ما انت سايج و مسافر. 
انحنى ليقبل رأسها ثم قال بنبرة حانية 
مجدرش أسيبك يا أماي...ميعديش يومي من غير مااصطبح بالجمر اللي جاعد جدامي ده... إلا بجى لو ناوية تيچي تعيشي معايا اهناك. 
ردت بسرعة و بنفي قاطع 
لاه... البلد و الدار دياتي روحي فيهم... مش راح أفارجهم واصل لحد ما اندفن في تربتي. 
قبض على كفيها و هو يقول 
بعيد الشړ عنيكي يا جمري...دا انتي نوارة البلد كلاتها..
غيرت مجرى الحديث و هي تقول بضيق نوعا ما 
روح... روح غير خلجاتك على ما البت نعمة تچهزلك الفطور... أني هستناك نفطروا سوا. 
حاضر يا أمايا... ربع ساعة بالكتير و أدلي أفطر امعاكي. 
غادر معتصم مجلس والدته متجها إلى غرفته و هو نادما على ما تفوه به من حديث تكرهه والدته دائما و أبدا ليأخذ حماما باردا ثم يبدل ملابسه إلى الجلباب الصعيدي المعروف ثم يعود لأمه مرة أخرى بهيئته الصعيدية التي دائما تفضلها و تحب أن تراه بها.
ما كاد معتصم يدس قطعة الفطير المشلتت في طبق العسل حتى أتاه صوت أحدهم يكتسح المضيفة و من خلفه خفيره النحيل سمعان يصيح به و يحذره من الدخول بدون استئذان بينما الآخر لم يبالي له فقد كان في أقصى درجات غضبه و حين أصبح ماثلا أمام كبير البلدة معتصم البدري أخذ يلوح بيده بانفعال بالغ 
بجى اكده يا كبيرنا... حتت بت مصراوية متسواشي في سوج الحريم بصلة تجولي أني يا چاهل يا متخلف!...و الله يا كبير لولا إنها حرمة لكنت جتلتها و رميتها لكلاب السكك ينهشو بلحمها. 
وقف معتصم أمامه و الڠضب قد تجلى بملامحه الحادة و هتف بالماثل أمامه بترقب 
إوعاك اتكون بتتحدت عن ضاكتورة الوحدة اللي لسة چاية من مصر مبجلهاش يامين! 
هي بعينها يا معتصم بيه. 
أخذ يصتك فكيه من الغيظ و هو يتمتم پغضب جامح 
واه يا بت الفرطوس... بجى حتت مفعوصة زييكي تخلي كل يوم رچالة بشنبات يچروا يشتكو منيكي!!... أومال لو جعدتي شهر قمان عاد هتعملي فينا ايه أكتر من اكده! 
هتف بصوت رج أنحاء المنزل... 
سمعااااان... تروح للبت دي الوحدة و تچيبهالي دلوق... مفهوووم. 
أخذ يرتجف و هو يقول باهتزاز 
ما... مفهوم يا كبير. 
كانت الحاجة أم معتصم تتابع ما يحدث باستنكار شديد و طلبت من ولدها أن يقوم بردع تلك الفتاة الطائشة و التي تخطت حدودها مع رجال القرية فعاد لمجلسه مرة أخرى و هو يتوعد لها.
يتبع... 
بقلم دعاء فؤاد 
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحلقة الخامسة
رواية مهمة زواج
كانت تفحص طفلة صغيرة مسجية أمامها على فراش الكشف حين انفتح الباب فجأة مصدرا صريرا مزعجا ليدخل لها رجل نحيل بعمامة و على كتفه بندقية تبدو أطول منه ألا و هو سمعان الذي قام بركل الباب بقدمه ظنا منه أنه بذلك سيرعبها و تأتي معه كالكتكوت المبتل و لكن على من!...
إنها ريم برهام الكيلاني... تلك الطبيبة العنيدة قوية الشخصية ذات الرأس الحديدية و الصوت العالي فالكل يخشاها وهي لا تخشي أحدا سوى الله. 
التفتت له و هي تناظره بعينين جاحظتين من خلف نظارتها الطبية من فرط الانزعاج ثم نزعت سماعتها الطبية من أذنيها و هتفت به بصوت جهوري 
انت يا بني ادم انت ازاي تدخل كدا زي الطور بدون استئذان... افرض بكشف على واحدة ست يا متخلف. 
لقد اتسعت عينيه بدهشة من تلك الفتاة الجريئة سليطة اللسان و التي استطاعت أن تخرسه ولكنه ابتلع إھانتها بشق الأنفس ثم هتف بها بغلظة 
اتحشمي يا مرة.. معتصم بيه امشيعني ليكي... تعالي جدامي على المضيفة يلا. 
اصتكت فكيها بغيظ و هي تقول 
ايه قلة الذوق دي!... انت فاكرني شغالة عندك!!.. و قول للبيه بتاعك اللي عايزني يجيلي... أنا مبروحش لحد. 
واه واه واه... لهو انتي عايزاني اجول للكبير الحديت الواعر ده!!.. فزي جدامي يا بت الناس انتي مش جد الكبير.. اتجي شره احسنلك. 
لا.. انا قده و قد عشرة زيه... و وريني عرض كتافك... عايزة أشوف شغلي. 
كانت جالسة بالصيدلية تعد بعض أصناف الدواء حين أتاها صوت صديقتها المنفعل كعادتها خرجت من الصيدلية سريعا لترى مع من ټتشاجر تلك المرة و حين وجدت سمعان يقف قبالتها بدأ القلق يتسلل إليها و اندفعت تجاهها بعدما سمعت الحديث الدائر بينهما لتقول مارتينا الطبيبة الصيدلانية 
ريم...روحي يا ريم معاه شوفي معتصم بيه عايزك ليه... بلاش تزعليه. 
قطبت ما بين حاجبيها باستغراب لتقول 
في ايه يا مارتينا!.. و مين معتصم دا أساسا.. و مهما يكن هو مين ماليش دخل بيه. 
اقتربت منها أكثر لتهمس لها 
يا بنتي دا كبير البلد و هو الآمر الناهي فيها.. و كل حاجة بتمشي بكلمة منه. 
أشاحت بوجهها للجهة الأخرة و هي تربع يديها أمام صدرها و تقول بعناد 
كبير على نفسه مش عليا... امشي يافندي من هنا عايزة أكشف على البنت التعبانة دي. 
نظر لها سمعان بغل و هو يقول بوعيد 
بجى اكده!... طاب استلجي وعدك بجى يا ست الضاكتورة. 
و استدار مغادرا بعدما يأس من تليين رأسها اليابس بأسلوب الترهيب خاصته. 
بينما هي ناظرته باستهزاء و عادت لتكمل ما كانت تفعله بينما مارتينا واقفة بمكانها تدعو الله أن يمرر معتصم بيه ذلك الأمر بسلام على صديقتها. 
عاد سمعان الخفير إلى الكبير رقبته متدلية إلى صدره و هو يتمتم بكلمات ساخطة و يسب تلك الفتاة التي لا يهمها أحد ولا يقدر عليها رجل. 
حين رآه معتصم يدلف إليه بدونها انتفخت أوداجه من الڠضب و انتفض من مجلسه منفعلا إلى أن وصله الخفير مهرولا و هو ينظر إلى الأرض غير قادرا على رفع عينيه في عيني كبيره فهتف به بصوت جهوري 
هي فين يا عادم ناسك! 
ارتجف جسده پخوف و هو يقول بنبرة مهتزة 
ممم...مرضياشي تاچي معايا يا كبير... لسانها كيف
تم نسخ الرابط