مهمة زواج بقلم دعاء فؤاد

موقع أيام نيوز

بحالة طبيعة لتجده يجلس بغرفة الجلوس ينتظرها.. 
استقبلها بابتسامة حالمة تجاوزتها حتى لا يزداد خجلها ثم جلست بالأريكة المقابلة له لتقول 
خير في ايه! 
حاول التحلي بالجدية و هو يقول 
كل خير ان شاء الله.... حمد و عيشة و جوزها مسافرين القاهرة بعد شوية.. فأنا عرفت حمد ياخدك معاه و يوصلك لحد البيت. 
هزت رأسها بنفي 
أنا آسفة يا معتصم مش هينفع.. 
زفر أنفاسه بضيق بالغ ثم قال بانفعال طفيف 
هو مفيش حاجة تقولي عليها ماشي من اول مرة ابدا!! 
هبت من جلستها لتقول بذات الانفعال 
انت بتزعقلي كدا ليه!.. مش من حقك تزعقلي على فكرة.. 
أخذ يمسح وجهه من الڠضب و هو يستغفر بخفوت ثم قال بهدوء نوعا ما 
يا ريم انا خاېف عليكي انك تسافري لوحدك... و هكون مطمن اكتر لما اخويا يوصلك. 
ردت بتحد 
متنساش اني جيت هنا لوحدي و زي ما جيت لوحدي هقدر ارجع لوحدي. 
نهض بعصبية من مجلسه ليقترب منها و يصيح بانفعال 
ممكن اعرف ايه وجهة نظرك في الرفض!... ولا هو عند و خلاص..! 
لوحت بيديها بعشوائية 
و انا هعند معاك ليه... كل الحكاية ان أدهم لو عرف اني ركبت عربية حد غريب المسافة دي كلها هيزعل جدا مني. 
أمال رأسه اليها ليقول بغيظ 
ما قولتلك عيشة اختي هتكون معاكم... يعني مش هتسافري لوحدك في عربيته.. 
ربعت ذراعيها أمام صدرها لتقول باصرار 
لأ برضو مش هينفع.. 
اقترب منها للغاية مميلا رأسه للأسفل لأنها أقصر منه قامة حتى كادت أن تختلط انفاسهما ليصيح بنبرة قاطعة 
بقولك ايه.. انتي هتسافري مع اخواتي يا اما و ديني ما انتي متحركة من هنا... فاهمة! 
أجفلت من قربه الشديد و من نبرته العالية لتقول بتوتر و كأنها قد اړتعبت منه 
هسأل أدهم الأول. 
حانت منه بسمة انتصار أخفاها سريعا ثم قال بجدية 
تمام... كلميه و اجهزي.. 
رفعت حاجبيها باندهاش لتقول بسخرية و هي تغادر من أمامه 
بتتكلم كدا كأنك واثق انه هيوافق.. 
أخذ يهز رأسه بيأس و هو يبتسم و ما ان ابتعدت عنه مقدار خطوتين عاد يناديها بنبرة حانية على النقيض تماما من نبرته الحادة منذ قليل نبرته جعلت دقات قلبها تتسارع فالتفتت له مهمهمة 
امممم.. 
هتكلمي اخوكي على طلبي! 
سكتت مليا تلملم شتات نفسها ثم قالت بجدية 
أكيد طبعا... موافقة أدهم قبل موافقتي. 
هز رأسه بموافقة ثم قال بنبرة راجية 
تمام هستنى ردك على أحر من الجمر.. 
أطرقت رأسها و هي تبتسم بخجل ثم استدارت لتغادر من أمامه سريعا بينما هو بقي ينظر في أثرها بعشق بالغ و هو يمني نفسه بقرب اللقاء.. 
قامت ريم بالاتصال بأدهم عدة مرات و لكنه لم يحيب ولا مرة فهو كان في ذلك الوقت في جنازة ميريهان و كان هاتفه على وضع الصامت. 
تأففت بضيق ثم لم تجد بدا من الذهاب مع حمد و سوف تقوم بالاتصال به لاحقا أثناء سفرها بالطريق. 
قامت ريم بتوديع الحاجة ام معتصم و مارتينا و معتصم ذاته الذي كان يودعها بحزن لفراقها و لو مؤقتا.
كان يوما عصيبا للغاية على محمد والد ميريهان و والدتها و آسر الذي كان في أشد حالات البؤس... الى الآن لا يصدق أنه فقدها للأبد... 
انتهت مراسم العزاء و عاد محمد في المساء الى ألمانيا مرة أخرى للحاق بمودة... فقلبه يؤلمه كثيرا عليها و يخشى فراقها هي الأخرى. 
بينما قام أدهم بتوصيل آسر و والده الى منزلهما أما والدة مودة أقامت بفندق لتعود في الصباح الباكر الى جدة بالمملكة العربية السعودية.
في تمام الثامنة مساءا عاد أدهم الى المنزل و تتجلى علامات الارهاق على ملامحه.. 
و بمجرد أن رأته ريم يدلف من باب الشقة صړخت باسمه ثم ركضت اليه تحتضنه بشدة و هو أيضا يشدد من احتضانه لها و هو يضحك و يقول 
وحشتيني يا شقية انتي.. وحشتيني اوي.. 
و انت كمان يا حبيبي وحشتني اوي.. 
ابتعد عنها ثم أحاط كتفها بذراعه و سارا سويا لغرفة الاستقبال و هو يسألها بدهشة 
انتي جيتي امتى!.. و ازاي معرفتنيش! 
أجابته پغضب مصطنع 
ما سيادتك مبتردش يا بيه... شوف موبايلك كدا هتعرف رنيت ولا لأ! 
استل هاتفه من جيب بنطاله و هو يقول بتذكر 
ايوة صح انا كنت عاملة عشان العزا بس نسيت خالص ابص عليه. 
أخذ يتفقد سجل المكالمات الفائتة ليجد عدة مكالمات من ريم و أخرى من والدته و أيضا مكالمة واحدة فائتة من ندى فابتسم بسخرية لذلك فيبدو أنها لم تحاول اعادة الاتصال به حين لم يرد عليها... 
وصلا الى الغرفة ليجد والدته و ندى يجلسان سويا في
انتظاره انحنى يقبل يد والدته ثم اتجه الى ندى و ألقى عليها تحية السلام ثم جلس بجوارها ليهمس لها 
ازيك عامله ايه! 
أومأت و هي تقول ببسمة خجلى
كويسة الحمدلله.. 
حمحم ثم قال محاولا تبرير عدم رده عليها 
على فكرة الفون كان صامت لما رنيتي عليا و لسة شايفه حالا.. 
هزت رأسها عدة مرات ثم أجابته بخفوت 
انا كنت بطمن عليك بس لما اتأخرت اوي. 
أومأ و شعورا بسعادة لا يعرف سببها يغمره.. أو ربما راحة نفسية لا يدري.. أن تهتم به ملاك كندى فهو شيئ يدعو للارتياح... 
كانت والدته و أخته يراقبان و يتغامزان عليهما فريم لأول مرة ترى شقيقها يتحدث بتلك الرقة و يبرر دون أن يوجه اليه اللوم... حقا رأته شخصا آخر.. فحتى حين كان مرتبطا ب دارين لم يكن بتلك الحالمية بتاتا البتة. 
سيدي يا سيدي على أدهم باشا الحبيب.. 
التقط الوسادة من جانبه فألقاها بها و هو يقول 
امشي يا حقودة انتي.. 
ضحكت ريم و هي تلتقط الوسادة و من ثم ضحكوا جميعا فنهض أدهم و هو يقول 
أنا هدخل اخد شاور و اغير هدومي و ارجعلك يا دكتورة ريم عشان تحكيلي على اللي حصل معاكي في الصعيد.. 
أومأت ريم و هي تفكر من أين تبدأ له حكايتها مع معتصم و بأي كلمات سوف تصفه بها و كيف ستسرد له طلبه الزواج بها. 
قومي مع أدهم يا ندى.. 
قالتها السيدة تيسير لتنظر ندى لها بتردد في بادئ الأمر ثم لم تجد بدا من الاستجابة لأمرها.
دلف أدهم غرفته و كاد أن يغلق الباب فتفاجئ بندى تدفعه فنظر لها باستفهام فقالت له بارتباك 
دي ماما تيسير قالتلي أجيلك عشان لو احتاجت حاجة.. 
أغلق الباب من خلفها ثم سبقها ليجلس بتعب على حافة الفراش و لكن ندى مازالت واقفة متسمرة بمكانها بجانب الباب ليهتف بها
ندى ممكن بعد اذنك تدلكي رقبتي! 
انتي شاطرة أوي في المساچ.. 
ضحكت رغما عنها ثم قالت بجدية 
اممم... كنت بعمل مساچ لبابا دايما لأكتافه و رقبته لحد ما بقيت خبرة.. 
ضحك أدهم ثم باغتها بمسك يديها و هي خلفه ثم قبل باطنهما 
شكرا.. تسلم ايديكي.. 
تسمرت ندى من فعلته بينما هو نهض و هو يحاول السيطرة على مشاعره التي تدفعه لاحتضانها و سحقها بين ذراعيه ثم التقط ملابسه من الخزانة و اتجه مباشرة الى المرحاض دون أن يلتفت اليها بينما بقيت هي تهدئ من نبضاتها المتلاحقة... إنه يسحبها الى دوامة عشقه بأفعاله دون أن يشعر.. و هل كان ينقصها عشقا فوق العشق الذي يغمر قلبها!!..
بعد قليل خرج من المرحاض مرتديا ملابس بيتية مريحة و كانت ندى حينئذ تمشط شعرها أمام المرآة فوقف خلفها و كان أطول منها قامة و التقط فرشاته و أخذ يمشط شعره و هو ينظر لها بتأمل في المرآة الأمر الذي أربكها فوضعت فرشاتها و تنحت لتفسح له و لكنه قيدها بذراعيه يوقفها ثم تحدث اليها عبر المرآة و هو خلفها 
مش عارف ليه حاسس انك مش قادرة تتعودي عليا... مع اني اتعودت عليكي بسرعة مكنتش متوقعها من نفسي.. بس يمكن عشان انتي انسانة نقية اوي و تتحبي بسرعة. 
استدارت لتواجهه و لكنها بمجرد أن نظرت الى عينيه المسلطة في عينيها تاهت منها الكلمات... الى متى سيطغى حبه على قلبها و يعجز عقلها حتى عن التفكير.. فقط دقاته تتسارع في حضرته و عينيها تتعطش لرؤيته.. 
اتكلمي يا ندى.. ساكتة ليه.. 
أجلت حنجرتها ثم حاولت أن تتحلى بالجدية 
أدهم سبق و قولتلك ان انت شخصية مميزة و أي بنت تتمناك.. بس اعذرني ظروف جوازنا غريبة شوية و من ناحية تانية بحاول أتأقلم على الحياة بدون بابا.. بابا كان و مازال هو كل حاجة بالنسبالي و فراقه مأثر فيا جدا. 
هز رأسه عدة مرات بتفهم 
أنا مقدر الظروف دي طبعا و ان شاء الله الفراق ميطولش و... 
لم يكد يكمل عبارته حتى قاطعه رنين هاتفه فذهب ناحية الفراش و التقطه ثم فتح الخط ليجيب 
ألو... ايوة يا باشا.. انتداب!... بكرة!.. و حضرتك بتبلغني دلوقتي!.. تمام تمام... تمام.. شكرا مع السلامه.. 
أقبلت عليه ندى لتستفسر منه بقلق 
خير يا أدهم... مال شكلك اتغير كدا ليه! 
رد بملامح متجهمة 
بلغوني اني طالع انتداب لجنوب سينا لمدة أسبوعين. 
انفرج فمها پصدمة و تجهمت ملامحها بحزن بالغ حتى كادت أن تبكي.. فكيف ستتحمل فراقه بعدما تقربت منه حتى كاد حلمها باندماجها معه أن يتحقق. 
لاحظ شرودها و تجهم وجهها فاقترب منها و قام بلف ذراعه حول خصرها ثم قال و هو ينظر لها بحزن حاول اخفاؤه 
عادي يا ندى أنا متعود على كدا...مش أول مرة يعني. 
هزت رأسها و هي تجاهد عينيها لألا تبكي ثم قالت بصوت متحشرج 
تروح و ترجع بالسلامة ان شاء الله. 
قبل مقدمة رأسها ثم تركها و اتجه نحو الخزانة ليستخرج منها حقيبة سفر فأقبلت عليه 
أنا ممكن أساعدك في تجهيز الشنطة.. 
هز رأسه بالايجاب و قاما معا بترتيب الملابس و غيره من متعلقاته الشخصية..
بعد حوالي ساعة انتظرته ريم خلالها لإخباره بأمر معتصم أقبل عليها أخيرا و جلس بجوارها لتقول له بتأفف و ضيق 
ايه يا أدهم!.. كل دا بتاخد شاور و بتغير!. 
ڼهرتها أمها بنظرة زاجرة 
بنت عيب كدا... 
ضحك أدهم و هو يقول 
سيبيها تتكلم براحتها يا ماما..
ثم قرصها من وجنتها بمزاح 
كنت بجهز شنطتي عشان مسافر بكرة يا غلباوية انتي. 
شهقت بخفوت ثم سألته بحزن 
مسافر فين!... هو انا ارجع انت تسافر! 
لسة جايلي مكالمة من الادارة بلغوني بأمر انتداب مؤقت لمدة أسبوعين في جنوب سينا. 
تهدل كتفاها باحباط بالغ ثم تمتمت بحزن 
تروح و تيجي بالسلامه يا حبيبي.. 
أمنت أمها على دعائها ثم قالت 
خلي بالك من نفسك يا أدهم و طمنا عليك علطول يابني.. 
حاضر يا ماما... و انتو كمان خلو بالكم من نفسكم و خلي بالك من ندى يا ماما.. 
ندى في عنيا يا حبيبي. 
وكزته ريم بكتفها 
ايوة يا عم بقى ليك حد توصينا عليه.. 
عقبالك يا حقودة.. 
جينا بقى لمربط الفرس. 
خير.. 
اعتدلت في جلستها لتكون بمواجهته ثم أجلت حنجرتها لتتحدث بتوتر طفيف مع قليل من الخجل 
طبعا انت عارف معتصم اللي كلمك قبل كدا عشان يطمنك ان حاډثة السړقة دي مش هتتكرر تاني... فاكره! 
سكت لوهله يتذكره ثم ضيق عينيه بترقب 
اممم.. اه افتكرته.. كبير البلد اللي قولتيلي عليه.. 
أخذت تلوح بيديها بحركة دائرية 
هو مش كبير اوى يعنى... اقصد كبير مقاما بس مش كبير سنا... هو تقريبا قدك في العمر. 
اممم... اه و بعدين.. 
أخذت تفرك كفيها بتوتر ملحوظ ثم استرسلت 
هو على فكرة خريج كلية اقتصاد و علوم سياسية و عنده شركة و مصنع بيديرهم هو و اخوه هنا في القاهرة و شخصية متحضرة جدا.. و في نفس الوقت هو يعتبر حاكم البلد بتاعته و عنده املاك كتير فيها.. 
اممم... جميل.. و ايه تاني. 
هو كان طلب يتقدملي و انا طبعا مقولتلهوش رأيي و استنيت لما اقولك و فهمته ان موافقتك قبل موافقتي. 
سكت أدهم مليا يدير حديثها عنه في رأسه و قرر أنه لن يسلم أخته الغالية لمجهول مهما كان رأيها و قناعتها فيه. 
واضح من طريقة كلامك عنه انك ميالة ليه.
بصراحة يا أدهم هو لما حكالي عن مشوار حياته انبهرت بيه و حسيته شخصية من الشخصيات النادرة و الناجحة رغم صغر سنه..
انتفخت اوداجه پغضب ثم قال بنبرة مخيفة 
اممم..واضح كمان انك كنتي بتقعدي معاه و تحكيله و يحكيلك... 
ابتلعت ريقها بصعوبة لتقول بتوضيح 
لا يا أدهم انت عارفني كويس...دي كانت مرة واحدة بس اللي حكالي فيها عن نفسه لما استضافني في مضيفة بيته بعد حاډثة السړقة و مقعدتش بعدها غير يومين تقريبا و قررت النهاردة اني ارجع... و على فكرة هو لسة مكلمني على موضوع طلب الجواز دا النهاردة قبل ما اسافر. 
هز رأسه عدة مرات ثم قال بجدية 
و أنا لو مش واثق فيكي يا ريم كان هيكون ليا تصرف تاني....انا من حيث المبدأ معنديش اعتراض طالما انتي شايفاه كويس.. بس دا ميمنعش اني لازم أقابله و اتعرف عليه و على عيلته و بعدين نبلغه برأينا النهائي. 
أحست بقليل من الارتياح فهو محق في قراره تماما و طالما أدهم وكيلها بعد الله فلا مجال للقلق.
بقلم دعاء فؤاد
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحلقة التاسعة عشر
مهمة زواج 
أنهت ريم حديثها مع شقيقها ثم دلفت الى غرفتها و التقطت هاتفها و استخرجت رقم معتصم فشردت في ذكرياتها القليلة معه و هي تبتسم بحالمية لقد استطاع أن يستحوذ على تفكيرها و ربما قلبها في غضون أيام قليلة...... 
شخصيته المتعددة الجوانب و نجاحه المعتمد على ذكائه و مكانته بين أهل بلدته رغم صغر سنه و فوق كل ذلك رقته المتناهية و احتوائه لها الذي لمسته فيه في أثناء نوبات الهلع التي أتتها هناك كل تلك الأشياء أسرت قلبها في سجن حبه.. 
اتخذت قرارها بالاتصال به و اخباره بحوارها مع شقيقها... 
على الناحية الأخرى.. 
رغم حلول الليل و انتشار الظلام الدامس الذي عم اسطبل الخيول إلا أنه قضى وقتا طويلا واقفا هناك شاردا بحزن في أحواله التي انقلبت رأسا على عقب... زواج غير متكافئ بالمرة من المدعوة نرمين ثم بعد حوالي خمس سنوات منه يقع في حب أخرى لتنقلب حياته الى چحيم لا يدري متى سيغفر له حتى يخرج منه. 
رن هاتفه برقم ريم لينظر الى الشاشة ليجد اسمها يضيئها تماما كما أضاءت عتمة قلبه
تم نسخ الرابط